الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده وانزوى إلى شيخ الأدب محمد المنصوري الشاعر فرقاه في الشعر وهذبه وبه تخرج وورد إلى مصر مرارًا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثيـر ولـه قصائـد سنيـة فـي المدائـح الأحمديـة تنشـد فـي الجمـوع. وبينـه وبيـن الأديب قاسم وعبد القادر المدني محاورات ومداعبات وأخبر أنه ورد الحرمين مـن مـدة ومـدح كـلًا مـن الشريـف والوزيـر وأكابـر الأعيـان بقصائـد طنانـة كـان ينشـد منهـا جملة مستكثرة مما يدل على سعة باعه في الفصاحـة. ولـم يـزل فقيـرًا مملقـًا يشكـو الزمـان وأهليـه ويـذم جنـي بنيـه وبآخـرة تـزوج امـرأة موسـرة بمصر وتوجه بها إلى مكة فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في سنة تاريخه. ومات الأمير يوسف بك الكبير وهو من أمراء محمد بك الذهب أقره في سنة ست وثمانين وزوجه بأخته وشرع في بناء ولده على بركة الفيل داخل درب الحمام تجاه جامع الماس وكان يسلك إليها من هذا الدب ومن طرق الشيخ الظلام وكان هذا الدرب كثير العطف ضيـق المسالك فأخذ بيوته بعضهًا شراء وبعضها غصبًا وجعلها طريقًا واسعة وعليها بوابة عظيمة. وأراد أن يجعل إمام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير بك حديد فعزم على هدمه ونقلـه إلـى آخـر الرحبـة واستمـر يعمـر فـي تلـك الـدار نحـو خمـس سنـوات. وأخـذ بيت الداودية الذي بجـواره وهدمه جميعه وأدخله فيها وصرف في تلك الدار أموالًا عظيمة فكان يبني الجهة مناه حتى يتمها بعد تبليطها وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة السقوف والأخشاب والرواشـن لـه شيطانـه فيهدمهـا إلى آخرها ويبنيها ثانيًا على وضع آخر. وهكذا كان دأبه واتفق أنـه ورد إليـه مـن بلـاده القبليـة ثمانـون ألـف أردب غلـال فوزعهـا بأسرها على الموازنة في ثمن الجبس والجير والأحجار والأخشاب والحديد وغير ذلك. وكان فيه حدة زائدة وتخليط في الأمور والحركـات ولا يستقـر بالمجلـس بـل يقـوم يقعـد ويصـرخ ويـروق حالـه فـي بعـض الأوقـات فيظهـر فيه بعض إنسانيـة ثـم يتغيـر ويتعكـر مـن أدنـى شـيء. ولمـا مـات سيـده محمـد بـك وتولـى إمارة الحج ازداد عتوًا وعسفًا وانحرافًا خصوصًا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لأمور نقمها عليهم منها أن شيخًا يسمى الشيخ أحمد صادومة وكان رجلًا مسنًا ذا شبية وهيبة وأصله من سمنود وله شهرة عظيمة وبـاع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم مشافهة ويظهرهم للعيان كما أخبرني عنه من شاهده وللناس اختلاف في شانه وكان للشيخ الكفراوي به التئام وعشرة ومحبة أكيدة واعتقاد عظيم ويخبر عنه أنه من الأولياء وأرباب الأحوال والمكاشفات بل يقول أنه هو الفرد الجامع ونوه بشأنه عند الأمراء وخصوصًا محمد بك أبا الذهب فراج حال كـل منهمـا بالآخـر. فاتفـق أن الأمير المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل فأخبرته أن المرأة الفلانية ذهبت بها إلى هذا الشيخ وهو الذي كتب لها ذلـك ليحببهـا إلـى سيدهـا فنـزل فـي الحـال وأرسـل فقبـض على الشيخ صادومة المذكور وأمر بقتله وإلقائه في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل إلى داره فاحتاط بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيـل ومنهـا تمثـال من قطيفة على هيئة الذكر فأحضروا له تلك الأشياء فصار يريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الأمراء وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوي من إفتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة المحمدية وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع عليه وألبسه فروة وقـرره فـي ذلـك عوضـًا عـن الشيـخ الكفـراوي. واتفـق أيضًا أن الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب العفيفـي طلـق علـى زوج بنـت أخيـه فـي غيابـه علـى يـد الشيـخ حسـن الجـداوي المالكـي علـى قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم وذهب إلى ذلك الأمير وشكا له الشيـخ عبـد الباقـي فطلبـه فوجده غائبًا في منية عفيف فأرسل إليه أعوانًا أهانوه وقبضوا عليه ووضعـوا الحديـد فـي رقبتـه ورجليـه وأحضـره فـي صـورة منكـرة وحبسـه فـي حاصـل أرباب الجرائم مـن الفلاحيـن. فركـب الشيـخ علـي الصعيـدي العـدوى والشيـخ الحـداوي وجماعة كثيرة من المتعممين وذهبـوا إليـه وخاطبـه الشيـخ الصعيـدي فقـال لـه: هـذا قـول فـي مذهـب المالكيـة معمول به فقال: من يقول أن المرأة تطلق زوجها إذا غاب عنها وعندها ما تنفقه ومـا تصرفـه ووكيلـه يعطيهـا مـا تطلبـه ثـم يأتـي من غيبته فيجدها مع غيره. فقالوا له: نحن أعلم بالأحكام الشرعية. فقال: لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح. فقال الشيخ الجداوي: أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة مذهبـي. فقـام علـى أقدامـه وصـرخ وقـال: واللـه أكسـر رأسـك. فصـرخ عليـه الشيـخ علـي الصعيدي وسبه وقال له: لعنك الله ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك أميرًا. فتوسط بينهم الحاضرون من الأمراء يسكنون حدته وحدتهم وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبونه وهو يسمعهم. واتفق أيضًا أن الشيخ عبد الرحمـن العريشـي لمـا توفـي صهـره الشيـخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيًا على أولاده وتركته وكان عليه ديون كثيرة أثبتها أربابها بالمحكمة واستوفوها وأخذ عليهم صكوكًا بذلك ذهبـت زوجـة المتوفـى إلى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له أن الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها وتواطأ مع أرباب الديون وقاسمهم فيما أخذوه فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان إذ ذاك مفتي الحنفية وطالبه بإحضار المخلفات أو قيمتها فعرفه أنه وزعها على أرباب الديون وقسم الباقي بين الورثة وانقضى أمرها وأبرزله الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على قوله وطلبه للتركة. ثم أحضره يومًا وحبسـه عنـد الخازنـدار فركب شيخ السادات إليه وكلمه في أمره وطلبه من محبسه. فلما علم الشيخ عبد الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعًا ونزل إلى الحوش صارخًا بأعلى صوته وهو مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد الآخر وكان جالسًا مع شيخ السادات في المقعد المطل على الحوش فقام على أقدامه وصار يصرخ على خدمه ويقول: امسكوه اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقـول لـه: أي شـيء هـذا الفعـل اجلـس يا مبارك وأرسل إليه تابعة الشيخ إبراهيم السندوبي فنزل إليـه وألبسـه عمامتـه وفراجتـه ونـزل الشيـخ فركـب وأخـذ صحبتـه إلـى داره وتلافـوا القضيـة وسكتوهـا ثـم حصـل منـه مـا حصل في الدعوى المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتـل الأنفـس وثقـل أمـره علـى مـراد بـك وأضمـر لـه السـوء فلمـا سافـر أميرًا بالحج في السنة الماضية قصد مراد بك اغتياله أو نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع القضية وسافر إلى جهـة الغربيـة والمنوفيـة وعسـف فـي البلاد ويريد أن يجعل عوده على نصف الشهر في أوان رجوع الحج. ووصل الخبـر إلـى يوسـف بـك فاستعجـل الحضـور فصـار يجعـل كـل مرحلتيـن فـي مرحلـة حتـى وصـل محترسـًا فـي سابـع صفـر قبل حضور مراد بك من سرحته وعندما قرب وصول مراد بك إلى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه وطوائفه وعدده وخرج إلى خارج البلد فسعى إبراهيـم بـك بينهمـا وصالحهمـا واستمـرت بينهمـا المنافرة القلبية من حينئذ إلى أن حصل ما حصل وانضم إلى اسمعيل بك ثم قتله اسمعيل بك بيد حسن بك واسمعيل بك الصغير كما تقدم. ومات الأمير علي أغا المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف بالقرد وخشداش صالح بك الكبيـر وكـان مـن الأبطـال المعروفيـن والشجعـان المعدوديـن فلمـا قتـل كبيرهـم صالـح بـك استمـر فـي بلـاد قبلي على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه من المال والغلال إلى أن استوحش محمد بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج إلى الصعيد وقتل خشداشة أيوب بك وتحقـق الأجانب بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا المذكور وكان ضخمًا عظيم الخلقة جهوري الصوت شهمًا يصدع بالكلام فأنس به محمد بك وأكرمه واجتهـد هـو فـي نصرتـه ومناصحتـه وجمـع إليـه الأمـراء والأجنـاد المنفييـن والمطرودين الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضًا واستولـى علـى بلادهـم مثـل أولادهـم وأولـاد نصيـر وأولـاد وافي واسمعيل أبي علي وأبي عبد الله وغيرهـم وحضـر معـه الجميـع إلـى جهـة مصـر كمـا تقـدم. ولمـا وصـولا إلـى تجـاه التبيـن وأبرج لهم علي بـك التجريـدة وأميرهـا علـي بـك الطنطـاوي خـرج علي أغا هذا إلى الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طفها أزيد من قبضة بها مسامير متينة محددة الـرؤوس إلـى خـارج يضربـون بهـا خـودة الفـارس ضربـة واحـد فتنخسـف في دماغه وكانت هذه من مبتكرات المترجم حتى أنه سمي بأبي الجلب. ولما خلصت إمارة مصر إلى محمد بك جعل كتخداه اسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوي المذكور فنقم عليه أمورًا فأهمله وأحضر علي أغا هـذا وخلـع عليـه وجعلـه كتخـداه فسـار فـي النـاس سيـرًا حسنـًا ويقضـي حوائـج النـاس من غير تطلع إلـى شـيء ويقـول الحـق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضًا يحبه ويرجع إلى رأيه في الأمور لما تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل إلى هوى النفس وعرض الدنيا وكان يحب أهـل العلـم والفضل والقرآن ويميل بكليته إليهم مع لين الجانب والتواضع وعدم الأنفة. ولما أنشأ محمد بك مدرستـه المحمدية تجاه الأزهر وقرر فيها الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي العدوي في صحيح البخاري مع الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح فيها وتأتيه أرباب الحوائج فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد الأستاذ الحنفـي ويحبـه وأخـذ عنه طريق السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ ويقرأ عشرًا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس ومملوكه حسن أغا الـذي زوجـه ابنتـه واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في هيئة جليلة وآثار جميلة. وتوفي في وقعة بياضة قتيلًا كما تقدم. ومات الأمير اسمعيل بك الصغير وهو أخو علي بك الغزاوي وهم خمسة أخوة: علي بك واسمعيل بك هذا وسليم أغا المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد ولما تأمر علي بك كان أخوته الأربعيـة باسلامبـول مماليـك عند بشير أغا القزلار وأعتقهم وتسامعوا بإمارة أخيهم بمصر فحضر إليـه اسمعيـل وأحمـد وسليم واستمر عثمان باسلامبول وأقام اسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل اسمعيـل كتخـدا عنـد أخيـه علي بك وعمل سليم خازندار عند إبراهيم كتخدا أيامًا ثم قامت عليـه مماليكـه وعزلـوه لكونـه أجنبيـًا مننهـم وصـار لهـم أمـرة وبيوت والتزام. وتزوج اسمعيل بهانم ابنة رضـوان كتخدا الجلفي وهي المسماة بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها على مملوكـه علـي أغـا الذي قلده الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج معه علي المذكور فيمن خرج كما تقدم وذهب إلى بغداد أرسل يطلبها إليه من مصر وأرسل لها مع وكيلـه عشـرة آلـاف دينـار وأشيـاء فلـم يسلمـوا فـي إرسالها وكتبوا فتوى بفسخ النكاح على قاعدة مذهب مالك وتزوجها اسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها فـي دار أبيهـا العظيمـة بالأزبكيـة وصـار من أرباب الوجاهة. فلما استقل محمد بك أو الذهب بملك مصر بعد سيده استوزره وجعله كتخداه مدة وأراد أن يتزوج بالست سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك أبو الذهب وعرفه أنها ربما امتنعت عليـه مراعـاة لهـا ثـم ابنـة سيدهـا فركب محمد بك وأتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور لسكنها بدرب السادات وأرسل إليها علي أغا فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت هانم بعد ذلك وباع بيت الأزبكية لمخدومه محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجي وصرف عليها أموالها كثيرة وأضاف إليها البيت الذي عند باب الهواء المعـروف ببيـت المرحـوم مـن الشرايبيـة. وسكنهـا مـدة وزوجـه محمـد بـك سرية من سراريه أيضًا ثم باع تلك الدار لأيوب بك الكبيـر وسكنهـا. ولمـا سافـر محمـد بـك إلـى الشـام ومحاربـة الظاهـر عمـر أرسـل المترجـم مـن هاك إلى اسلامبـول بهدايـا وأمـوال للدولـة ومكاتبات بطلب ولاية مصر والشام وأجيب إلى ذلك. وكتب له التقليـد وأعطـوه رقـم الـوزارة وتـم الأمر وأراد المسير بذلك إلى محمد بك فورد الخبر بموته فبطل ذلـك ورجـع المترجـم إلـى مصـر وأقـام بهـا فـي ثـروة إلـى أن حصلـت الوحشـة بيـن اسمعيـل بـك ويوسـف بك والجماعة المحمدية وكانت الغلبة عليهم فقلده اسمعيل بك الصنجقية وقدمه في الأمور ونوه بشأنه وأوهمه أنه يريد تفويض الأمور إليه لما يعلمه فيه من العقل والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتـل يوسـف بـك هـو وحسـن بـك الجـداوي كمـا تقـدم وظن أن الوقت صفا له. فاندفع في الرئاسة وازدحمت الرؤوس عليه وأخذ في النقض والإبرام فعاجله اسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوا كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الأخلاق وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى كراهـة شديـدة وتصـدى لأذيتهـم أيـام كتخدائيتـه لمحمـد بـك وكتـب فـي حقهـم فتـاوى بنقضهـم العهـد وخروجهـم عـن طرائفهـم التـي أخـذ عليهـم بهـا مـن أيـام سيدنا عمر رضي الله عنه ونادى عليهم ومنعهم من ركوب الحمير ولبسهم الملابس الفاخرة وشرائهم الجواري والعبيد واستخدامهم المسلمين وتقنع نسائهم بالبراقع البيض ونحو ذلك. وكذلك فعل معهـم مثـل ذلـك عندمـا تلبـس بالصنجقيـة وكـان لـه اعتقـاد عظيـم فـي الشيـخ محمـد الجوهري ويسعى بكليته في قضاء أشغاله وحوايجه وكان لا بأس به. ومـات الأميـر قاسـم كتخـدا عزبـان وكـان مـن مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد كتخدائية العزب وأمين البحرين وكان بطلًا شجاعًا موصوفًا ومال عن خشداشيته كراهة منه لأفعالهم حتى خرج إلى محاربتهم وقتل غفر الله له. سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف فـي يـوم الخميـس سابـع المحـرم حضر اسمعيل كتخدا عزبان وبعض صناجق اسمعيل بك وفي يوم السبـت تاسعـه وصل اسمعيل بك وعدى من معادي الخبيري ودخل إلى مصر وذهب إلى بيته وكثر الهرج في الناس بسبب حضوره ومن وصل قبله على هذه الصورة. ثم تبين الأمر بأن حسـن بك الجداوي وخشداشينه وهم رضوان بك وعبد الرحمن بك وسليمان كتخدا وتبعهم حسن بك سوق السلاح وأحمد بك شنن وجماعة الفلاح بأسرهم وكشاف ومماليـك وأجنـاد ومغاربة خامر الجميع على اسمعيل بك والتفوا على إبراهيم بك ومراد بك ومن معهم فعند ذلـك ركب اسمعيل بك بمن معه وطلب مصر حتى وصلها في أسرع وقت وهو في أشد ما يكون من القهر والغيظ. وأصبح يوم الأربعاء فأرسل اسمعيل بك ومنع المعادي من التعدية. وفي يوم الاثنين طلعوا إلى القلعة وعملـوا ديوانـًا عنـد الباشـا وحضـر الموجوديـن مـن الأمـراء والوجاقلية والمشايخ وتشاوروا في هذا الشأن فلم يستقر الرأي على شيء ونزلوا إلى بيوتهم وشرعوا في توزيع أمتعتهم وتعزيل بيوتهم واضطربت أحوالهم وطلب اسمعيل بك تجار إليها والمباشريـن وطلب منهم دراهم سلفة فدخل عليه الخبيري وأخبره بأن الجماعة القبليين وصلت أوائلها إلى البساتين وبعضهم وصل إلى بر الجيزة بالبر الآخر. فلما تحقق ذلك أمر بالتحميل وخرجوا من مصر شيئًا فشيئًا من بعد العصر إلى رابع ساعة من الليل ونزلوا بالعادلية وذلك ليلـة الثلاثـاء رابـع عشـر المحـرم وهـم اسمعيـل بـك وصناجقـة إبراهيـم بـك قشطـة وحسيـن بـك وعثمـان بك طبل وعثمـان بـك قفـا الثـور وعلـي بـك الجوخـدار وسليـم بـك وإبراهيـم بـك طنـان وإبراهيـم أوده باشـه وعبـد الرحمـن أغـا مستحفظـان واسمعيل كتخدا عزبان ويوسف أغا الوالي وغيرهم وباتت النـاس فـي وجـل. وأصبـح يـوم الثلاثـاء وأشيـع خروجهـم ووقع النهب في بيوتهم وركبوا في صبح ذلـك اليـوم وذهبـوا إلـى جهـة الشـام فكانـت مـدة إمـارة اسمعيـل بـك وأتباعـه علـى مصر في هذه المرة ستة أشهر وأيامًا بما فيها من أيام سفره إلى قبلي وجوعه. وعدى مراد بك ومصطفى بك وآخـرون فـي ذلـك اليـوم وكذلـك إبراهيـم أغـا الوالـي الـذي كـان فـي أيامهـم وشـق المدينـة ونـادى بالأمان وأرسل إبراهيم بك يطلب من الباشا فرمانًا بالإذن بالدخول فكتب لهم الباشا فرمانًا وأرسله صحبة ولده وكتخدائه وهو سعيد بك. فدخل بقية الأمراء يوم الأربعاء ما عدا إبراهيم بك فإنه بات بقصر العيني ودخل يوم الخميس إلى داره وصحبته اسمعيل أبو علي كبي من كبار الهوارة. وفي يوم الأحد ثامن عشرة طلعوا إلى الديوان وقابلوا الباشا وخلع عليهم خلع القدوم ونزلوا إلى بيوتهم. وفـي يـوم الخميـس حـادي عشرينـه طلعـوا أيضـًا إلى الديوان فخلع الباشا على إبراهيم بك واستقر في مشيخة البلد كما واستقر أحمد بك شنن صنجقًا كما كان وتقلد عثمان أغا خازندار إبراهيـم بـك صنجقيـة وهـو الـذي عرف بالأشقر وقلدوا مصطفى كاشف المنوفية صنجقية أيضًا وعلي كاشف أغات مستحفظان وموسى أغا من جماعة علي بك واليًا كما كان أيام سيده. وفي أواخره وردت أخبار بأن اسمعيل بك ومن معه وصلوا إلى غزة واستقر المذكورين بمصر علوية ومحمدية والعلوية شامخة على المحمدية ويرون المنة لأنفسهم عليهم والفضيلة لهم بمخامرتهم معهم ولولا ذلك ما دخلوا إلى مصر ولا يمكن المحمدية التصرف في شيء إلا بإذنهم ورأيهم بحيث صاروا كالمحجوز عليهم لا يأكلون إلا ما فضل عنهم. وفـي يـوم الخميس ثامن شهر من جمادى الأولى حضر إلى مصر إبراهيم بك أوده باشه من غزة مفارقـًا لاسمعيـل بـك وقـد كان أرسل قبل وصوله يستأذن في الحضور فأذنوا له وحضر وجلس في بيته وتخيل منه رضوان بك وقصد نفيه فالتجأ إلى مراد بك وانضم إليه. فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى ركب مراد بك وخرج إلى مرمى النشاب منتفخًا من القهر مفكرًا في أمره مع العلوية فحضر إليه عبد الرحمن بك وعلي بك الحبشي من العلوية فعندما أراد عبـد الرحمـن بـك القيـام عاجلـه مـراد بـك ومـن معـه وقتلـوه وفـر علـي بـك الحبشي وغطى رأسه بفوقانيتـه وانـزوى فـي شجر الجميز فلم يروه. فلما ذهبوا ركب وسار مسرعًا حتى دخل على حسـن بـك الجـداوي فـي بيتـه وركـب مـراد بـك وذهـب إلـى بيتـه. واجتمـع علـى حسـن بك أغراضه وعشيرتـه وأحمـد بك شنن وسليمان كتخدا وموسى أغا الوالي وحسن بك رضوان أمير الحاج وحسن بك سوق السلاح وإبراهيم بك بلفيا وكرنكوا في بيت حسن بك الجداوي بالداودية وعملوا متاريس ي ناحية باب زويلة وناحية باب الخرق والسروجية والقنطرة الجديدة. واجتمع علـى مـراد بـك خشداشينـه وعشيرتـه وهـم مصطفـى بـك الكبيـر ومصطفـى بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وركب إبراهيم بك من قبة العزب وطلع إلى القلعة وملك الأبواب وضرب المدافع علـى بيـت حسـن بـك الجـداوي بالداوديـة وعملـوا متاريـس فـي ناحيـة بـاب زويلـة وناحية باب الخرق والسروجية والقنطرة الجديدة. واجتمع على مراد بك خشداشينه وعشيرته وهم مصطفى بك الكبيـر ومصطفـى بـك الصغيـر وأحمـد بـك الكلارجـي وركـب إبراهيـم بـك مـن قبـة العزب وطلع إلى القلعـة وملـك الأبـواب وضـرب المدافـع علـى بيـت حسـن بـك الجـداوي ووقع الحرب بينهم بطول نهار يوم السبت وغلقت الأسواق والحوانيت وباتوا على ذلك ليلة الأحد ويوم الأحد والضرب من الفريقيـن فـي الأزقـة والحـارات رصـاص ومدافـع وقرابيـن ويزحفـون علـى بعضهـم تـارة ويتأخـرون أخرى وينقبون البيوت على بعضهم. فحصل الضرر للبيوت الواقعة في حيزهم من النهب والحرق والقتـل. ثـم أن المحمديـة تسلـق منهـم طائفـة مـن الخليـج وطلعـوا مـن عنـد جامـع الحيـن مـن بين المتاريس وفتحوا بيت عبد الرحمن أغا من ظاهره وملكوه وركبوا عليـه المدافـع وضربـوا علـى بيـت للجـداوى فعنـد ذلـك عايـن العلويـة الغلـب فركبوا وخرجوا من باب زويلة إلى باب النصر والمحمدية خلفهم شاهرين السيوف يخجون بالخيل فلما خرجوا إلى الخلاء التقوا معهم فقتل حسن بك رضـوان أميـر الحـاج وأحمـد بـك شنـن وإبراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وغيرهم أجناد وكشاف ومماليك وفر حسن بك الجداوي ورضوان بك وكان ذلك وقت القائلة من يوم الأحد وكـان يومـًا شديـد الحر. ولم يقتل أحد من المحمديين سوى مصطفى بك الكبير أصابته رصاصة في كتفه انقطع بسببها أيامًا ثم شفي. وأما حسن بك ورضوان بك فهربا في طائفة قليلة وخرج عليهما العربان فقاتلوهما قتالًا شديدًا وتفرقا من بعضهما وتخلص رضوان بـك وذهـب فـي خاصتـه إلـى شيبيـن الكـوم. وأمـا حسـن بـك الجـداوي فلـم تزل العرب تحاوره حتى أضعفوه وتفرق مـن حوله وشيخ العرب سعد صحصاح يتبعه ثم حلق عليه رتعة شيخ عرب بلي فتقنطر به الحصان في مبلة كتان فقبضوا عليه وأخذوا سلاحه وعروه وكتفوه وصفعه رتيمة على قفاه ووجه ثم سحبوه بينهم ماشيًا على أقدامه وهو حاف وأرسلوا إلى الأمراء بمصر يخبرونهم بالقبض عليه وكان السيد إبراهيم شيخ بلقس لما بلغه ذلك ركب إليه وخلصه من تلك الحالة وفـك كتافـه وألبسـه ثيابـًا وأعطـاه دراهـم ودنانيـر. فلمـا بلـغ الخبـر إبراهيم بك ومراد بك أرسلوا له كاشفـًا فلمـا حضـر إليـه وواجهـه لاطفـه ثـم دخـل إلـى مصـر وسـار إلـى بولـاق ودخل إلى بيت الشيخ أحمـد الدمنهوري فركب جماعة كثيرة من المحمدية وذهبوا إلى بولاق وطلبوه فامتنع منن إجابتهم فلـم يجسـروا علـى أخـذه قهـرًا مـن بيـت الشيـخ فداخلـه الوهـم وطلـع إلـى السطـح ونـط إلـى سطـح آخـر ولـم يـزل حتـى نـزل بالقرب من وكالة الكتان فصادف بعض المماليك فضربه وأخذ حصانه وركبه وذهب رامحًا بمفرده وأشيع هروبه فركبت الأجناد وحلقوا عليه الطرق فصار يقاتل من يدركه ولـم يجـد طريقـًا مسلوكـًا إلـى الخـلاء فدخـل المدينـة وذهـب إلـى بيت إبراهيم بك فوجده جالسًا مع مـراد بـك فاستجـار بإبراهيـم بـك فأجـاره وأمنـه ومكـث فـي بيتـه خمسـة أيـام وهـو كالمختـل فـي عقله ممـا قاسـاه مـن معاينـة المـوت مـرارًا. ثـم رسمـوا لـه أن يذهـب إلـى جـدة وأرسلـوه إلى السويس في يوم الأربعاء ثامن عشرين جمادى الأولى في محفة. فلما أنزل بالمركب أمر الريس أن يذهب به إلى القصير فامتنع فأراد قتله فذهب بالمركب إلى القصير فطلـع إلـى الصعيـد وأمـا حسـن بـك سوق السلاح فإنه التجأ إلـى حريـم إبراهيـم بـك وعلـي بـك الحبشـي وسليمـان كتخـدا دخـلا إلـى مقـام سيدي عبد الوهاب الشعراني وحمزة بك ذهب إلى بيته لكونه كان بطالًا فلم يداخله الرعب كغيـره وهـرب موسـى أغـا الوالـي إلى شبرا. ثم أنهم رسموا بنفي علي بك الحبشي وحسن بك وسليمـان كتخـدا إلـى رشيـد وأحضـروا موسـى أغـا الوالـي إلـى بيته بشفاعة علي أغا مستحفظان وأرسلوا لرضوان بك الإذن بالإقامة في شيبين وبنى له بها قصرًا على البحر وجلس فيه وانقضت هذه الحادثة الشنيعة. وفـي يـوم الخميـس غايـة جمـادى الأولـى عملـوا ديوانـًا بالقلعة وقلدوا أيوب بك الكبير صنجقية وكان اسمعيـل بـك رفعهـا عنـه ونفـاه إلـى دميـاط ثـم نقلـه إلـى طندتـا فلمـا رجـع خداشينه مع العلوية طلبوه إلى مصر وأرادوا رد صنجقيته فلم يرض حسن بك الجداوي فأقام بمصر معزولًا حتى وقعت هذه الحادثة فرجع كما كان. وقلدوا أيوب بك كاشف خازندار محمد بك أبي الذهب كما كـان صنجقيـة أيضـًا وعرف بأيوب بك الصغير وقلدوا سليمان بك أبا نبوت صنجقية أيضًا كما كان وقلدوا إبراهيم أغا الوالي سابقًا صنجقية وركبوا في مواكبهم إلى بيوتهم وضربت لهم الطبلخانات. وفـي يـوم الخميـس سابـع جمادى الثانية طلعوا إلى الديوان وقلدوا سليمان أغا مستحفظان سابقًا صنجقية وقلدوا يحيى أغا خازندار مراد بـك صنجقيـة أيضـًا وقلـدوا علـي أغـا خازنـدار إبراهيم بك صنجقية أيضًا وهو الذي عرف بعلي بك أباظة. وفيـه حضـر إلـى مصـر سليمـان كتخـدا الشرايبـي كتخـدا اسمعيـل بـك وعلـى يده مكاتبة من اسمعيل بـك مضمونهـا يريـد الـإذن بالتوجـه إلـى أخميم أو إلى السرور رأس الخليج يقيم هناك ويبقى إبراهيم بك قشطة بمصر رهينة ويكون وكيله في تعلقاته وقبض فائظه والصلح أحسن وأولى فعملوا ديوانـًا وأحضـروا المشايـخ والقاضي وعرضوا عليهم تلك المكاتبة وتشاوروا في ذلك فانحط الرأي بـأن يرسلـوا له جوابًا بالسفر إلى جدة من السويس ويطلقوا له في كل سنة اربعين كيسًا وستة آلاف أردب غلال وحبوب وأن يرسل إبراهيم بك صهره كما قال إلى مصر ويكون كيلًا عنه ومن بصحبته من الأمراء يحضرون إلى مصر بالأمان ويقيمون برشيد ودمياط والمنصورة ونحو ذلك وأرسلوا المكاتبة صحبة سليم كاشف تمرلنك أخي اسمعيل بك المقتول وآخرين. وفيـه رسمـوا بنفـي إبراهيـم بـك أوده باشـه وسليمـان كتخـدا الشرايبـي وكـان أشيـع تقليـد إبراهيـم بك الصنجقيـة فـي ذلـك اليـوم وتهيـأ لذلـك وحضـر في الصباح عند إبراهيم بك فلما دخل رأى عنده مـراد بـك فاختليـا معـه فأخـرج إبراهيـم بـك من جيبه مكتوبًا مسكوه عليه من اسمعيل بك خطابًا لـه مضمونـه أنـه بلغنـا مـا صنعت في إيقاع الفتنة بين الجماعة وهلاك الطائفة الخائنة وفيه أن يأخذ مـن الرجـل المعهـود كـذا مـن النقـود يوزعهـا علـى جهـات كناهـا لـه وربنـا يجمعنا في خير. فلما تناوله مـن إبراهيـم بـك وقـرأه قـال فـي الجـواب: كـل منكـم لا يجهـل مكايـد اسمعيـل بك وأنكر ذلك بالكلية. فلـم يقبلـوا عـذره ولـم يصدقوه وقام وذهب إلى بيته. فأرسلوا خلفه محمد كتخدا أباظة فأخذه وصحبتـه مملوكيـن فقـط ونـزل بـه إلـى بولاق ونفوه إلى رشيد وكذلك نفوا سليمان كتخدا الشرايبي واحتاطوا بموجود إبراهيم بك. وفـي يوم الاثنين حادي عشر جمادى الثانية وصل إبراهيم باشا والي جدة وذهب إلى العادلية وجلس هناك بالقصر حتى شهلوه وسفروه إلى السويس بعدما ذهبوا إليه وودعوه وكان سفره يـوم الأحـد سابـع عشـر جمـادى الثانيـة. وفـي ذلـك اليـوم حضـر جماعـة مـن الأجنـاد مـن ناحيـة غزة من الذين كانوا بصحبة اسمعيل بك. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرة ركب الأمراء وطلعوا إلى باب الينكجرية والعزب وأرسلوا إلى الباشا كتخدا الجاويشبة وآغـات المتفرقـة والترجمـان وكاتـب حوالـة وبعـض الاختياريـة يأمرونـه بالنزول إلى بيت حسن بك الجداوي وهو بيت الداودية. فلما قالوا له ذلك طلعوا إلى حوش الديـوان واجتمعـوا بـه حتـى امتـلأ منهـم فارتعـب الباشـا منهـم فركـب من ساعته ونزل من القلعة إلى بيت الداودية وأحضروا الجمال وعزلوا متاعه في ذلك اليوم فكانت مدة ولايته سنتين وثلاثة. وفي
|